الحقبة الفينيقية

قصبة دلس هي قلعة تاريخيّة تقع في مدينة دلس بولاية بومرداس الجزائرية، بنيت في القرن 2 ق.م من قبل القرطاجيين ولا تزال موجودة ليومنا الحاضر. هذه الحقبة التاريخيبة تجسدها آثارٌ فينيقية قليلة في الميناء ولكنها كافية للتدليل على مدى اهتمام الفينيقيين بالبحر وإقامة موانئ تجارية حيثما حلوا في مدن البحر المتوسط، ومنها مبنى فينيقي كان يُتَّخذ منارة توقد عليها النار ليلاً كدليل للسفن، ويقع المبنى أمام مرسى سيدي عبدالقادر هي الآن تدعى منارة رأس بنغوت

أصل التسمية

وقد أطلق الفينيقيون على دلس اسم ”روسوكورو” ومعناها ”رأس الحوت” كما مرَّ بها ابن خلدون وأسماها ”تادلس”، إلا أن بعض السكان يقولون إن أصل التسمية مستمد من الكلمة الأمازيغية ”آذلس” نسبة إلى نبات جبلي كثيف كان السكان يتخذونه سقفاً لبيوتهم القديمة قبل ظهور القرميد

الحقبة العثمانية

يعود تاريخ تأسيس قصبة دلس إلى العهد العثماني في القرن 16، وهي تتكوَّن من ”القصبة العليا’‘ و”القصبة السفلى” لتشبه بذلك قصبة الجزائر العاصمة، لكنها تختلف عنها في أن ”قصبة دلس” بُنيت لسكان المنطقة، ولذلك لا تجد فيها قصوراً فخمة على غرار القصور التي تجدها في قصبة الجزائر التي بُنيت لتكون عاصمة لـ ”أيّالة” الجزائر منذ انضمامها الرسمي إلى الدولة العثمانية في 1518
 
يقول بعض المؤرخين إن دلس آوت أكثر من 1000 عائلة أندلسية في القرن 17؛ ففي سنة 1609 أصدر الاسبان قرار الطرد العام للأقلية المسلمة التي بقيت باسبانيا بعد سقوط الأندلس سنة 1492 ورفضت التحول إلى المسيحية، فهاجر المئات إلى دلس وأقاموا بها· ومنذ ذلك الوقت ازدهرت عادة غرس الزهور والورود بالمدينة ولا يزال السكان إلى الآن محافظين على هذه العادة الأندلسية

هندستها المعمارية

تحتوي ”القصبتان” العليا والسفلى معاً على 210 بيتا، ويفصل بينهما الشارع الرئيسي الذي شقته فرنسا إثر احتلالها للمدينة في مايو عام ،1844 وهذا على حساب الكثير من البيوت  العثمانية التي هدمتها بحجة شق الطريق أمام السيارات و تتكون  من أربعة أبواب و هي باب البحر ، و باب القبائل الزواوة، و باب البساتين، و باب الجهاد إضافة إلى جدار الصد وهو
عبارة عن سياج يحيط بالمدينة و يفصلها عن واجهة البحر بعدة أمتار

وهي مُشيدة بمواد محلة  من الحجارة و القرميد و الخشب على النمط العثماني الشهير؛ حيث تكون البيوت قريبة من بعضها البعض ولا يفصل بينها إلا أزقة ضيقة، وتنتصب الأقواس فوق الأبواب، ولا يخلو بيتٌ من النوافذ، وهي صغيرة ومتباعدة مهمتها إدخال الضوء والهواء دون أن يستطيع المارّ رؤية ما بداخل البيت لعلوِّ النوافذ و تتشكل منازلها « دار الجيران»، من «السقيفة» وهي عبارة عن ركن فسيح مغطى عند مدخل الباب يستعمله السكان الذين يمتهن غالبيتهم صيد السمك، لتخزين شباك صيدهم كم يربطون فيها الحيوانات

 تشمل هندسة المنازل أيضا فناء واسعا، أما وسط الدار فيتميز بوجود بئر مشتركة بين هذه العائلات يحاذيه مباشرة  المطبخ،  كما تحتوي منازل قصبة دلس على حدائق تغرس فيها العائلات مختلف الأشجار المثمرة مثل التين و الليمون و البرتقال و غيرها، إضافة إلى المحاصيل الزراعية الأخرى، و يعتبر القبو الذي يقع فوق مدخل البيت جزءا من أجزاء المنزل  ،كانت النساء في القديم تستعملنه كرواق يسبق الباب الخارجي، إذ يقفن هناك للسؤال عن هوية الطارق

نافذة أحد منازل القصبة

و كانت القصبة في القديم تتوفر على عدد كبير من الأفران و الحنفيات، لم تبق منها اليوم سوى عين واحدة تسمى بعين الميزاب

معالم دينية وتاريخية شاهدة

تحفل قصبة دلس العتيقة بالعديد من الشواهد التاريخية والمعالم الأثرية والدينية الخالدة التي رسمت جانبا مهما من تطور المدينة العريقة وأضحت ايقونات رمزية لسكان المنطقة، بالنظر إلى دورها الكبير في التربية والإصلاح ومناهضة الاستعمار وحماية الهوية الوطنية من كل أشكال الطمس، لعلى من أبرزها المدرسة القرآنية سيدي عمار، ضريح سيدي محمد الحرفي الذي حوّل اليوم إلى متحف مصغر يضم الكثير من الكنوز والتحف الأثرية التي ترمز إلى الحقب التاريخية التي مرت بها المدينة والمسجد العتيق أو مسجد الإصلاح في قلب المدينة العثمانية و الذي بنته فرنسا سنة 1847 على النمط الأندلسي المقتبس من ”المسجد العتيق” الذي قامت بتهديمه وبنت مستشفى عسكرياً على أنقاضه، أعيد ترميمه بعد زلزال سنة 2003، وفتح أمم الزوار والمصلين

التراث الوطني يتحوّل إلى أطلال

صنفت قصبة دلس العتيقة، بفضل ما تزخر به من نمط عمراني جميل وإرث تاريخي كبير، ضمن واحدة من المعالم الأثرية الحاملة لشرف الـ”تراث الوطني” في الجزائر، غير أن الذي تدمع له العين تحولها إلى أطلال يقف عندها الزائرون، والذين يعدون على الأصابع، لما تعانيه من وضع مزر، جراء ما يحيط بها من أعشاب، وجبال من الحجارة التي تحجب عن العين رؤية عمران قصبة المدينة العتيقة
 
، وهو ما دفع مسؤولي المدينة إلى إعطاء الضوء الأخضر لمباشرة الأشغال الاستعجالية، والتي تم الانطلاق بها في إطار المخطط الدائم للحفاظ على المدينة القديمة، وهو قيد الإنجاز، جراء التحطم الذي شهدته من جراء مخلفات زلزال 21 ماي 2003، الذي أتى على كل كبيرة وصغيرة، غير أن هذه الأعمال الاستعجالية لم تشفع لها، أمام تهديدات الانهيار التي تعترضها في أي وقت، وفي أي ساعة
لمزيد من الصور زوروا الرابط التالي
هل تريدون اكتساب مهارات جديدة في ميدان العمارة، التصميم و البناء؟
formations professionnelles en architecture