منازل لا تنتهي ! المنزل الجزائري التطوري للعائلة الممتدة

منازل لا تنتهي !

مفهوم المنزل الجزائري التطوري للعائلة الممتدة

بقلم: جاد محجوبي خليفة. مهندس معماري. الجزائر

لمفهوم “المنزل غير المنتهي” في الجزائر خصائص تميزه عن بقية المفاهيم، حيث يتجلى في نمط تلقائي يحمل إيجابيات وسلبيات على غرار الأنماط المعمارية الموجودة، ولكنّه في الأخير ما هو إلا انعكاس لتصور المجتمع الجزائري المحافظ لمنزله التطوري الذي يتغير مع كبر العائلة. فهذا النمط هو في الأساس نمط اقتصادي وعاجل، ولا يأخذ المظهر الخارجي بعين الاعتبار، وهذا راجع إلى الاعتقادات والأعراف بالدرجة الأولى حيث الجمال الداخلي هو الأهم.

إنشاء المرآب على علو أربع أمتار مع أبواب ضخمة من الحديد أحيانا دون أيّة جمالية، مع واجهات من الطوب الأحمر والتي تخرج منها أنابيب تصريف مياه الأمطار، ثم أعمدة وقضبان تسليح حديدية تبرز من فوق السطح، مُشكِلة منظرا لا يمت للبهاء بأيّة صلة، وإنّما يعطي انطباعا سيئا عن العائلة وبالتالي الحي فالمدينة

الميزة الأخرى لهذا النمط هي إمكانية بناء طوابق إضافية إذا لزم الأمر، فاذا أراد الابن البكر الزواج على سبيل المثال فهو مطالب بتهيئة طابق كامل )مطبخ وصالون وغرف النوم وحمام(، إذ يمكنه إنجاز ذلك بسهولة لوجود قضبان التوصيل التي تمهد لأعمدة الطابق الجديد، ثم يأتي دور على الابن الثاني ليقوم بنفس الشيء، وهكذا دواليك إلى أن يتطاول البنيان ويكتمل

وعلى غرار الحياة الجماعية التي يتيحها هذا النمط التطوري بين أفراد العائلة الممتدة) الكبيرة (، إلا أنه لا يوفر مجال واسع من الخصوصية للعائلات النووية )الصغيرة(، مما يتسبب أحيانا في مشاكل عديدة. فالسكن مع الأهل والعيش في البيت الكبير كان سائداً على مدار عصور طويلة، حيث كانت الأسرة الممتدة هي الشائعة آنذاك، خاصة في الريف والبادية

بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن هناك سببان رئيسيان يؤثران على تشكيل “العائلة الممتدة”. الأول اجتماعي، والثاني اقتصادي بامتياز

العيش في بيت “العائلة الممتدة” له إيجابيات عديدة، أهمها توافر الشبكة الاجتماعية الداعمة للأسرة الجديدة. فالسكن مع الأهل يشكل جواً اجتماعياً جيدا للزوجين والأبناء على حد سواء، إذ تبين أن وجود الأحفاد في أسرة يكون فيها الجد والجدة يشكل قوة نفسية للأطفال، ويتيح لكبار السن أن يقدما الدعم والخبرات للأم في تربية الأبناء. إذ توفر “العائلة الممتدة” كذلك الأمن والتعويض النفسي للزوجة عندما يغيب عنها زوجها لأي سبب من الأسباب، وكون أهل الزوج هم أقرب الناس إليه، وأقدرهم على فهمه، فهم أفضل من يساعد الزوجة الجديدة على تفهم زوجها، وعلى حل المشكلات الطبيعية التي تتعرض لها في بداية مشوار حياتها الزوجية¹

إليكم نموذجًا لمشروع يمثل أحد البيوت ضمن مجمع سكني لعائلة ممتدة في الكويت يتألف من بيت للوالدين، يحيطه بيوت للأبناء الأربعة للمهندس المعماري وائل المصري.

.

على وجه الخصوص، اليوم يضطر العديد من الأقارب للعيش في منزل واحد بسبب أنهم لا يملكون المال لشراء منزل آخر هذه المشكلة حاليا حادة خاصة في المدن الكبيرة، حيث بسبب ارتفاع عدد السكان، يرتفع سعر العقارات يومًا بعد يوم. أيضا يتعلق الأمر بالقوة المالية لهذه المجموعة. بعد كل شيء، كلما زاد عدد البالغين في المنزل، زاد دخلهم المشترك: منحة دراسية، وراتب، ومعاش تقاعدي، وهلم جرا. بفضل هذا، يمكنك تحسين نظامك الغذائي والسكن والمظهر. أيضا، فإن التدفق المالي القوي يسمح لك بتجميع الأموال بشكل فعال. هذا هو السبب في أن الأشخاص الذين يديرون شركة عائلية غالباً ما يعيشون تحت نفس السقف. ²

ومع ذلك، فإن العيش في البيت الكبير ليس دوما جيدًا. فكلما صغر حجم المنزل الذي تعيش فيه الأسرة، كان من الصعب على سكانها العيش بسلام مع غياب مساحة شخصية كافية. على سبيل المثال، إذ تندلع الحرب من أجل الحمام أو التلفزيون أو حتى مقبس الكهرباء. إذن فإن الأسر الحديثة تسعى جاهدة لكسب سكن مستقل، ضمانا لها للراحة النفسية وتفاديا للمساوئ المذكورة آنفا، ولغياب مفاهيم حديثة للمنزل التطوري تتناسب ومتطلبات الجيل الجديد.

إليكم نموذجا للسكن التطوري للمهندس المعماري آليخاندرو ارافينا في شيلي كمفهوم جديد

على مستوى العمران، يتسبب هذا النوع من السكنات بإزعاج حضري (Nuisance urbaine) بغياب الانسجام والاتساق، فيعطينا مظهر عام يتسم بالفوضى والعشوائية، ومشاكل أخرى متعلقة بظروف صحية (حق ضوء الشمس والتهوية وغيرها.( وهذا راجع لغياب المعماري في تصميم تلك المنازل) غالبا ما يستعين الناس بالبَنَّاي على حسابه( أو في مراقبة إنجازها وفق المخططات المدروسة، وحسب القواعد الهندسية والمعمارية) إذ كان هناك رخصة بناء أصلا (، دون أن ننسى عدم مطابقتها في الكثير من الأحيان لأدنى قواعد البناء المضاد للزلازل. فرغم تشريع بعض القوانين ووجود أجهزة إدارية مختصة بالبحث والمعاينة لمخالفات التهيئة والتعمير وتتمثل في: مفتشو التعمير، وأعوان البلدية المكلفين بالتعمير، وموظفو إدارة التعمير والهندسة المعمارية، وفي شرطة العمران، بصلاحيات ضيقة³، يبقى الأمر غير كافٍ للحد من هذه المظاهر ولا يجدي نفعا.

في الأخير، هل يمكننا تطوير هذا النمط السكني وتحسينه ليصبح نموذجا صالحا كحل لأزمة السكن في ظل نمو ديمغرافي هائل؟ وهل إدراجه في إطار برامج السكن العمومي أو ضمن برامج الترويج العقاري يُعد ضروري كمفهوم جديد شامل؟ أم يبقى مجرد نمط قديم يجب تجاوزه إذ عفا عليه الزمن، ولا يسعنا رؤيته إلا في مكان مغمور آهل؟

المصادر:

– الزواج في بيت العائلة، موقع الحوار “بتصرف”.

Encyclopaedia Britannica – SOCIOLOGY & SOCIETY – Extended family

-دور شرطة العمران في تحقيق الضبط العمراني بين الواقع والمأمول، مجلة تشريعات التعمير و البناء، محمد لعمري.

الحمّام: إرث معماري و مرآة على المجتمع

“الحَمَّام “

إرث معماري و مرآة على المجتمع

بقلم: جاد محجوبي خليفة. مهندس معماري. الجزائر

لطالما كانت الحمامات الشعبية تحفة من الإرث المحلي الجزائري وقطعة معمارية لا تتجزأ من رقعة النسيج العمراني الاسلامي، والتي تشهد على النظام الاجتماعي المتقدم الذي كان سائدا آنذاك. وأن الاهتمام بهذه المنشآت يعود لأسباب دينية بحتة، وخصوصاً لاقتران النظافة في الإسلام بالإيمان وسعيه نحو الطهارة، وأيضاً لدورها الاجتماعي الذي لعبته في الماضي القريب. لا نستطيع أن نغفل ثقافة الاستحمام التي ورثتها شعوب هذه المنطقة من الحضارات المتعاقبة عليها (الرومان)، والتي ساعدت في إقبال الناس على ارتياد الحمّام وقبوله في حياتهم اليومية وفي ممارساتهم الإجتماعية¹. إن عدد الحمّامات و تواجدها في مدينة ما، هو دليل على التطّور الاجتماعي والاقتصادي للمدينة وهو ما كان في قصبة الجزائر². إذ عرف سكانها حمامات قبل مجيء الأندلسيين، لكنها لم تكن بنفس الهندسة التي عرفت في الفترة العثمانية، وكان هناك عدد كبير من الحمامات بالمدينة العتيقة مثل حمام ”سيدنا” نسبة لمصطفى باشا وحمام بوشلاغم. فتبقى هذه الحمّامات الفضاءات التي لا يغفل عنه السياح الأجانب لما تحتويه من خصوصية ثقافية واجتماعية، بغية التعرف على أعقاب تاريخها الحافل وهندستها المعمارية الفريدة.

يحتوي الحَمَّام على 7 غرف، حيث نجد قاعة الانتظار، قاعة تغيير الملابس التي يكون جنبها صندوق الدفع، غرفة لتنظيم الأمتعة التي كانت مرقمّة وتوضع في مرتفع ضمانا لها من السرقة. كما أنه اشتمل على غرفة صغيرة توضع فيها مجوهرات العروس والأشياء الثمينة فقط. ثم ”البِيتْ السْخُونَة” للتعرق والفرك والتدليك. بعد الخروج منها يتم التوجه إلى ”البِيتْ البَارْدَة”، وهي عبارة عن مساحة تتواجد بها أفرشة لأخذ قسط من الراحة مع لبس ”الُفوطَة”، ثم يتم التوجه بعدها إلى ”بِيتْ الغْسِيل” للغسل مرة ثانية بَالكَاسَة وْالغَسُول وْالطَاسَة (كان هناك فألا سيئا إن ضاعت الطَاسَة. (كما تتواجد غرفة خاصة فقط بالعروس وأهلها حتى لا تختلط بآخرين وتكون في كامل راحتها. والميزة التي يختلف فيها ذهاب العريس إلى الحمام عن العروس هو اصطحابه ب”الغَايْطَة”، ليتوقف هذا الإعلان التقليدي إلى غاية دخوله المنزل. لكن ”الغَايْطَة” لم تكن مصاحبة للعروس حتى تكون في جو محتشم.

.

كانت النساء ترتاد الحمّام خلال النهار والرجال في المساء، في أغلب المدن ما عدا في حال وجود حمّام توأم فيه قسم للرجال و آخر للنساء. بالنسبة للرجال كانت الحمّامات المكان الأمثل للقاء الأصدقاء وتبادل الآراء السياسية، أضف لذلك ما كانت تضيفه من انتعاش في الصيف ودفئ في الشتاء، أو للاغتسال بعد الانتهاء من العمل في آخر النهار. يرتاد الرجال الحمّام مرة أو مرتين في الأسبوع، و يمضون فيها نصف ساعة أو ساعة بعد الاستحمام قبل ارتداء الملابس لمغادرة الحمّام، يتم تناول القهوة أو الشاي. بالنسبة للنساء الأمر مختلف نوعا ما نظراً لندرة خروج النساء خارج البيت، فالنساء كن لا يخرجن إلا لزيارة الأهل والأصدقاء وإلى الحمّام. وتختلف الغاية والأهداف من زيارة الحمّام، فإذا لم يمكنها الاغتسال في البيت، فيجوز لها دخول الحمام الشعبي للضرورة مع التحفظ والاستتار. ورغم أن ارتياد النساء للحمّام قد لا يكون بشكل دوري أو أسبوعي، غير أنهن يقضين وقتاً أطول في الاستحمّام من الرجال. فكان يمثل لهن مكان لاجتماع دوري، أو مكان لتبادل الآراء أو لنقل المعلومات والشائعات، مكان للبحث عن خطيبة، أو حتى مكان للاهتمام بالبشرة وللتجميل أو للتحضير للزواج.

.

على مستوى المدينة، كان الحمام غالبا مرفقا بالفندق أو ملحقا بالجَامَع لتأمين الوضوء والطهارة وخاصة قبل صلاة الجمعة، وخدمة الاغتسال لعابري السبيل والغرباء عن المدينة، و مكان لعقد الصفقات التجارية المختلفة. لعل عزوف الناس عن الارتياد الحَمَّام يكمن في تدني الخصوصية أين صار مرتعا للرذيلة وانتشار المظاهر المخلة بالحياء، وتحوله لمكان للتباهي المبالغ فيه بالمكانة الاجتماعية، وكذلك في نقص النظافة والجودة والتنظيم أحيانا والضيق والظلمة وغياب نظام تهوية خاصة أوقات الازدحام. أو ربما تحسن أوضاع المعيشة وتملك معظم الناس للدش في منازلهم وتوفر المياه الساخنة بشكل دائم، عجل بالتراجع للخروج إلى الحَمَّام حيث كان سابقا ضروري لعدم توفر الإمكانية في المنازل.

وقد يعود السبب لعدم مواكبته متطلبات العصر وتلبيته لاحتياجات الأجيال الجديدة، أو ربما لظهور بدائل أخرى للاستجمام والاجتماع. مم يدعو الأمر لتصميم الحمامات وفق مفاهيم جديدة تتضمن حمام تدليك مائي ودش خاص بكل شخص للاختلاء، مثل المنتجعات الصحية

(Spa)

التي تقدم خدمات حديثة كحمام طيني، وحمام بخار، وساونا

(Sauna)

وهلم جرا.

وبشكل عام يمكن القول إن كل عتبة في الحياة كانت ترافقها رحلة إلى الحمّام، كالزواج و الولادة وغيرها (مكان للاحتفالات العائلية أيضا)… وللحمّام دور صحي بالإضافة للطهارة للاغتسال، ففيه تجري المعالجة بالزيوت المطيبة والنباتات الطبية عند الاستحمام والتدليك³. ولا تزال هذه من العادات الاجتماعية المعروفة تمارس حتى يومنا هذا.

المصادر: (1) & (2) & (3) -. رفعت أبو خاطر: الحمّامات التقليدية ضمن النسيج العمراني للمدينة الإسلامية، دراسة مقارنة في عدة مدن متوسطية. مجلة إنسانيات

التعليم عبر الانترنت و المدارس التقليدية: كيف نتعلم في عصر الرقمنة؟