دمج الماضي بالحاضر في العمارة،حداثة ام تهكّم على التراث؟
من بين المظاهر المعمارية التي تجذب لفت الانتباه عادة هي إدماج المباني الحديثة بتلك القديمة التي تكون قد أثرت عليها عدة عوامل؛ كالعوامل الطبيعية مثل الزلازل و الأعاصير و الحرائق التي تساهم في تعرية المواد الموجودة بالمبنى، و العوامل المناخية كالرطوبة و الرياح حيث تنقل هذه الأخيرة الرمال التي تترسب على القشرة الخارجية للمبنى،خاصة تلك المبنية بالطوب، بالإضافة إلى العوامل البشرية من هدم المباني القديمة و ذلك رغبة بالتجديد و الاستثمار و كذا الجهل بالقيمة الأثرية و الحضارية للبناء التاريخي.
جميع العوامل المذكورة سابقا تستوجب تدخلا مستعجلا للحدّ منها و من آثارها من خلال اتخاذ التّدابير اللّازمة.
و من بين إستراجيات العمل في مجال الحفاظ و صيانة الآثار “التحويل التكيفي” و الذي يقصد به وضع جملة من المحدّدات لإعادة المبنى بصورة حالية لأداء وظائفه القديمة مع الحفاظ على أجزاء المبنى و عناصره التي تحمل قيما تاريخية حتّى يمكن من استغلاله مع ضمان الإستمرارية و من بين فوائده مواكبة العصر مع الحفاظ على الهوية الاجتماعية كما ان المباني القديمة أكثر موائمة للبيئة من حيث مواد البناء التقليدية و طبيعة المساكن الأكثر ملائمة لحاجيات الإنسان بالإضافة الى أنّه أوفر اقتصاديا من إعادة البناء.
للقيام بإعادة استخدام المبنى يجب مراعاة عدة شروط كأن يحافظ مخطط إعادة التأهيل على القيم الجمالية و المعمارية الموجودة بالمبنى كتوزيع الفراغات و تقييم الحالة الإنشائية الحالية للمبنى مع التدقيق في مواد البناء و معرفة العناصر التي تعطي المبنى قيمة تاريخية من أجل الإبقاء عليها،بالإضافة إلى اختيار الوظيفة المناسبة و التّوزيع الجديد الفضاءات الذي يتناسب و طبيعة المبنى و الذّي يعتبر شرطا أساسيا من خلال دراسة المحيط الإجتماعي لهذا الأخير، و توفير الدعم الفيزيائي.
و يظهر الإستخدام التّكيفي جليّا من خلال الواجهات المعاد تركيبها بإدخال مواد بناء جديدة كالزجاج دون التأثير سلبا على المواد الأصلية و كذا إستخدام تقنيات مدروسة من قبل المختصين في التّراث المعماري. و في حالة الحاجة إلى فراغات إضافية بهدف توظيف الإستخدام الجديد يمكن ضمّ مبنى جديد ملاصق أو مرتبط بالأصلي من خلال ممرات أو روابط مبنية بنفس التّقنيات و مواد البناء
من بين الأمثلة حول “الإستخدام التّكيفي” منزل “بارشمنت وورك هاوس”The partchment work house
قام المهندس “ويل غامبل”بإمتداد سكني جزئي الأنقاض مصنع من القرن السابع عشر بالمملكة المتحدة ليصبح منزلا فيكتوريا معاصر مع الحفاظ على القيمة التاريخية للمبنى عن طريق إدراج الإمتداد داخل جدران البناء الخاصة به لتقليل التأثير البصري للهيكل و لضمان أنّه تابع للمبنى
يمتد المبنى القديم بشكل متدرج يتألف من طابق واحد و هو يحتّل نصف مساحة الموقع.
و قد قام المهندس بطلاء نصف الجدران الداخليّة و ترك الباقي على حاله و الذّي يظهر مواد البناء المستعملة كما قام بدمج تراس على السطح يمكن الوصول اليه من خلال غرفة النوم الرئيسية و استخرج العديد من المواد التي كانت موجودة في الموقع من المباني الخارجية المصنع
إنّ الإختيار الخاطئ لنوع الإستخدام للمبنى التراثي قد يساهم في الإضرار بالقيمة المعمارية و يعجّل من مستوى إندثاره لذلك يتطلب الأمر دراسة معمقة قبل المساس بالتّراث المعماري و العمراني الذي يميّز منطقة عن أخرى