هل ستتغير العمارة بعد جائحة كورونا؟ الإجابة :ربما

نادراً ما يمرّ وباء من دون أن يؤثر عميقاً في مجتمعاتنا، ومع تفشي جائحة الكورونا مطلع العام الجاري، صار العالم كله مترقبا للتغيرات الهائلة التي ستُطاولنا، محولة العالم باسره إلى فضاء مهجور، لأن مدننا الحديثة لم تكن قادرة لتتكيف مع هكذا ظروف. صُممت مدننا لتكون مراكز عالمية مترابطة تجذب الملايين للعمل أو السياحة وتزدحم شوارعها بالمارة الذين يخالطون بعضهم بعضا دون أن يخشى أحد الآخر من الانتقال العدوى.

فهل انتهى زمن العيش في أماكن مكتظة والعمل في مكاتب مفتوحة؟ وهل علينا توسيع ممرات المشاة حفاظاً على مسافة وقائية مسموحة؟ وهل نحتاج لأن نقيم في منازل أكثر تكيفاً مع احتياجات جديدة مطروحة؟

لطالما غيرت الاوبئة من شكل المدن والمباني التي نعيش فيها، حيث قضى الطاعون (الموت الأسود) في القرن الـ 14 على ثلث سكان اوروبا، والذي بدوره دفع إلى تغییر جذري، فنُظفت المدن، وأصبحت الشوارع أوسع وتم إنشاء مساحات عامة أكبر، إذ أنه كان يُعتقد على نطاق واسع أن المرض مصدره باطن الأرض، فكانت فكرة رصف الشوارع بالحجارة كإجراء وقائيا بامتياز. في حين دفعت بنا أوبئة القرن الـ 19 (وباء الكوليرا) إلى إدخال أنظمة الصرف الصحي التي تطلبت أن تكون الطرق الممدودة فوقها أكبر عرضا وأكثر استقامة، إلى جانب قوانين جديدة صارمة لمنع الازدحام

لقد شهد القرن الـ 21 حتى الآن أربعة أوبئة شديدة، إيبولا، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وأخيرا وباء كورونا المستجد. إذن كیف ستتطور المدن بعد الوباء الحالي؟

يستغل البعض الجائحة لإعادة تقييم كيفية هيكلة المدن من جديد، إذ قال ووتر فانزتيفوت، أستاذ في جامعة دلفت للتكنولوجيا بهولندا: “هذا هو أفضل وقت على الإطلاق لدراسة فكرة المدن الإمشائية

Walkable cities

 لحاجتنا إلى إعادة المساحة إلى الناس بعد ان هيمنت عليها السيارات. وهل يُمكن أن يصير فيروس كورونا محفزاً لإلغاء المركزية؟ لدينا تلك المستشفيات العملاقة، ولكننا نضطر إلى التنقل لمسافات طويلة حول المدينة حتى نصل إليها. وصار لزاماً إلى أن نُوزع وحدات أصغر من المستشفيات على رقعة أكبر من المسطحات الحضرية وتقوية المراكز المحلية على سبيل المثال¹”.

وإذا سلمنا بأن الأوبئة ستصبح جزءا من حياتنا، يرى المعماري جوهان وولتجر، أنه من الضروري أن تكون المدن أكثر قدرة على اتخاذ الإجرءات العاجلة لمواجهة الأزمات الصحية، مثل إقامة مراكز صحية ومساكن مؤقتة بسهولة، وتخصيص مساحات في المدن لهذا الغرض. حيث حولت بريطانيا مركزا للمؤتمرات إلى مستشفى مؤقت يسع 4,000 مريض في تسعة أيام فقط، وأقامت الصين مستشفى كاملا يسع ألف مريض في مدينة ووهان في عشرة أيام فقط².

المدن الإمشائية Walkable cities

بعد مضي فترة طويلة من الحجر الصحي، أصبحت مشاكل التصمیم في منازلنا واضحة للعيان. فمنازلنا لم تلبي حاجتنا للتعبد أو للدراسة أو للعمل أو للتسلية أو حتى لممارسة الرياضة لغياب أماكن مخصصة لها، ناهيك عن ذلك أنها لم تكن مكانا آمنا قط. يدعو بعض المهندسين إلى التخلي عن مخطط الأرضیة المفتوحة

Open space

 لحاجة أصحاب المنازل إلى مزید من الخصوصیة وفراغات للأنشطة المُدخلة، لذا فإن المساحات المنفصلة أكثر ملاءمة لذلك، وتوفیر مكاتب عدیدة في المنازل أمر مهم للغایة حیث سیعمل الكثیر من الناس عن بعد وسیحتاجون إلى مساحات مناسبة تمكنهم من ذلك. للوقاية من فيروس الكورونا، فإن المصممین یقترحون حلولا لإنشاء تصمیمات داخلیة أكثر صحة، من بين المقترحات تصميم أثاث يخدم التباعد الاجتماعي لا يستدعي اللمس بتاتا وقابل للتعقيم وإعادة الردهة حیث انها ستكون مساحة لخلع حذاء وممر للتعقیم قبل دخول الفراغ الرئیسي للمنزل، حیث یكون فضاء انتقالي بین الخارج والداخل. وإذا كنا سنقضي أوقاتا أطول في المنازل، فينبغي مراعاة التهوية والإضاءة الجيدة عند تصميم المنازل، حيث تنصح ليديا كاليبوليتي، من كلية إروين تشانين، للعمارة بتفادي عيوب التصميم التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض، مثل انعدام منافذ التهوية في المباني الذي يؤدي إلى إعادة تدوير مسببات الأمراض عبر أنظمة تكييف الهواء. كذلك سيتم تقليص الاتصال المباشر، فالمصاعد سيتم طلبها من الهواتف الذكية كما التحكم بالسواتر ومصابيح الإضاءة والتهوية، وسيكون المستقبل الخالي من اللمس في ظل انتقال الكثير من الأمراض المعدية عبر لمس الأسطح الملوثة

Open space التخلي عن مخطط الأرضیة المفتوحة

إن حتمية الظروف الاقتصادية عجلت بعودة الموظفين إلى المكاتب، لتجعل من المصممين أمام تحد لتصميم مخططات تحفظ سلامة الموظفين وتضمن مواصلة العمل. لذلك قدمت شركة الهندسة المعمارية

Bagot Woods

اقتراح يعتمد على فكرة أن نسبة من الموظفين ستظل تعمل من المنزل، فتم تصميم أربعة نماذج محتملة لأجل تعزيز الثقافة والأداء. النموذج الأول یسمى “النادي الثقافي” وفي هذا النموذج یتخیل مكان العمل لیكون نادیا یتكون من فراغ به مجموعة من الأرائك وطاولات القهوة والكراسي، حیث یعمل الموظفون عن بعد ویأتون إلى المكتب فقط عندما یكون من الضروري التعاون والتواصل مباشرة. النموذج الثاني یُدعى “في الداخل وفي الخارج”، ينقسم فيها الموظفين إلى فرق متناوبة، فريق یعمل من المنزل، فيما الآخر من المكتب، حيث الفصل بین المكاتب ضروري للحفاظ على سلامة الموظفین. أما النموذج الثالث یُسمى “العقد المجتمعية”، يُلزم هذا النموذج جميع الموظفین بالعمل من المكتب، إذ تشمل العقد مكتبًا مركزيًا ومكاتب أصغر أقرب إلى منازل الموظفين، حيث سیعتمدون على التواصل بین المكاتب المختلفة لانجاز العمل، وهذا النموذج یعالج بشكل أساسي مشكلة التنقل مع انخفاض رغبتنا في استخدام وسائل النقل العام والتواجد بين مجموعات كبيرة من الناس. وأخیرا، يُسمى النموذج الأخیر ب”المخطط الجماعي” الذي يشبه إلى حد كبير مكتبًا مفتوحًا نموذجي³

وبعدها يتبدد الذُعر ولا يتذكرها الناس عادة.

وأشار كريستوس لينتريس، عالم الأنثروبولوجيا الطبية إلى تفشي السارس عام 2003، حين أُكتشف أن مجمع سكني واحد في هونغ كونغ صار موقعا لنقل العدوى، نتيجة الطريقة التي تستطيع قُطيرات سائلة صغيرة تحتوي على الفيروس أن تدخل بها من أنابيب الصرف الصحي إلى الحمامات عبر المصائد المائية الجافة في المصارف. وبعدها، لم يجر أي إصلاح شامل أو فحص دقيق لأنظمة السباكة والتهوية من أجل الحد من تكرار الأزمة، إذ قال: “لن تُحدث جائحة واحدة أي تأثير على الإطلاق، بل يجب أن تُعاود التفشي أكثر من مرة حتى نستوعب المشكلة”4

بقلم: خليفة محجوبي جاد

مراجعة لغوية: إبراهيم حسين شعيب

:المصادر

: (4) – (1) هل تختفي ناطحات السحاب والمدن المزدحمة بعد كورونا؟ الإجابة “ربما“- عربي بوست

 – (2) فيروس كورونا : كيف نبني مدينة قادرة على الصمود في مواجهة الأوبئة؟

www.bbc.com/arabic/vert-fut-52477444

Woods Bagot devises office layouts for workplaces post-coronavirus – (3)

www.dezeen.com/2020/06/11/woods-bagot-office-layouts-post-coronavirus/

 

1 reply

Comments are closed.