تكنولوجيا بيم .. ضرورة حتمية أم دعاية تسويقية؟

(BIM) تكنولوجيا 

ضرورة حتمية أم دعاية تسويقية؟

—-

بقلم: خليفة محجوبي جاد

مراجعة علمية: رامي مصطفى قارة

مراجعة لغوية: مادوي محمد كمال الدين

—-

لا يسعنا الحديث عن تكنولوجيا الـ

(BIM)

دون أن نتطرق إلى تطور التصميم عبر التاريخ، حيث كان المعماري لا يتم لوحاته الفنية والتقنية للمشروع إلا وبذل مجهودا جبارا نظرا لإمتلاكه وسائل تقليدية وأدوات بسيطة من أقلام رصاص والمسطرة بشكل T والكوس والفرجار وغيرها. إضافة إلى ذلك، لطالما كانت تعتبر عائقا لخياله وقيدا لإبداعه ولتكن قصة المعمارية الفذة زها حديد شاهدة على ذلك. مع التطور التكنولوجي الذي اكتسح كل الميادين، كان حتميا أن يكون للعمارة نصيب، فظهرت برامج التصميم بمساعدة الحاسب وما يعرف بـ

(Computer Aided Design)

والمعروف بالكاد (CAD) ومن أشهر هذه البرامج برنامج (AutoCAD)

والذي تصدره شركة (Autodesk)

. يمكننا هذا النوع من البرامج من إنشاء الخطوط والأشكال ثنائية الأبعاد البسيطة ليصيغها المستخدم كيفما يشاء. استخدام هذه البرامج لسنين طويلة أبرز قصورها وعجل بظهور مشكلتين أساسيتين: انفصال الرسومات وعدم التنسيق بين التخصصات المختلفة لتكون سببا وجيها لبعث ثورة هائلة في مجال العمارة مهدت لظهور ما يعرف بالبيم . 

قبل الخوض في تفاصيل هذه التكنولوجيا لنحدد ما هي الخطوات الأساسية في كل مشروع، فنجد انها تبدأ بفكرة، فتصميم، فحسابات، فمخططات، فتسعير، فتخطيط، ثم تنفيذ، وصولا الى التشغيل والصيانة.

إنها ببساطة هذه هي الخطوات لأي مشروع هندسي. فأي مبنى، صناعي كان أو تجاري أو حتى سكني، يتطلب إنشاؤه تعاون مهندسين من مختلف المجالات فيقوم كل منهم بدوره اثناء كل مرحلة من مراحل المشروع، لكن المشكلة الكبرى تقع في ضعف التعاون او الفهم الخاطئ الذي قد يقع بينهم، الامر الذي قد يولد مشاكل كبيرة اثناء تصميم المشروع ومشاكل أكبر اثناء تنفيذه، ناهيك عن الوقت الضائع والذي يعد عمليا خسارة اقتصادية ومعنوية. فباستخدام برامج للنمذجة مثل

(Revit, Archicad, Tekla,…)

سيسهل ذلك بدءا بعمل نموذج معماري ثم إنشائي، ثم يتم تصدير النموذج هذا لبرامج التحليل الإنشائي لتحليلها، ثم تعديلها، والتأكد من قطاعات العناصر، ثم تعديل النموذج المعماري بناءً على ذلك إن لزم الأمر، يتم أيضًا تصدير النماذج لبرامج تحليل الطاقة في حالة المشاريع الكبيرة لمحاولة تقليل استهلاكها، كما يمكن عمل نموذج لشبكات الكهرباء والميكانيكا والصرف، ثم دمج الثلاث نماذج المعماري والإنشائي والشبكات بداخل برنامج مثل

(NavisWorks)

لمعرفة أماكن التعارض بين النماذج الثلاثة لتجنب أي مشاكل مستقبلية عند التنفيذ¹.

عند إدخال معلومات الوقت للنموذج النهائي يمكننا تسمية النموذج بنموذج رباعي الأبعاد

(4D BIM) وبإضافة التكلفة للعناصر يسمى

(5D BIM). لا يتوقف دور الـ

(BIM) بانتهاء التصميم ولكن يجب أن يتم إضافة أي تعديل يتم للمنشأ أثناء التنفيذ أو في المستقبل، ليصبح عندك نموذج مطابق للواقع وهو ما يسمى نموذج سداسي الأبعاد

(6D BIM) الأمر الذي يسهل أي عمليات تطوير مستقبلية للمنشأ².

والـبيم  موجود منذ 1970 ولكن نقص امكانيات الاجهزة لتمثيل خصائص المبنى في نموذج رقمي آنذاك، أخَر ذلك لوقت لاحق .يظن الكثيرون أن أول من ابتكر تقنية نمذجة معلومات المباني هي شركة

(Autodesk)

، ولكنها معلومة خاطئة حيث أن البداية كانت لشركة

(Graphisoft)

ببرنامجها (ArchiCAD) حيث قدمت الشركة ما أسمته

(Virtual Building)

أو المبنى الافتراضي عام 1987، ولم يتم استخدام مصطلح البيم  إلا بحلول عام 1992، وبدأ انتشاره الحقيقي بعدها بـ10 سنوات تقريبا مع شراء شركة أوتوديسك للبرنامج الأشهر في هذا المجال الريفيت

كلمة البيم هي اختصار ل

Building Information Modeling

أي نمذجة معلومات البناء، بمعنى آخر هي معالجة (وليس برنامج) تعتمد على عمل نماذج لكل معلومات المبنى لجعلها في متناول يد كل المشاركين بالمشروع خلال دورة حياة المبنى³.

يعتمد الأمر بالكامل على المعلومات، فتلك البرامج ذكية تتعامل مع العناصر لا مع الخطوط، بالتالي تجد الأدوات الأساسية بداخل الـ

(Revit)

مثلا عبارة عن أعمدة وحوائط وأبواب وأنابِيب وكل من هذه العناصر يتم تصنيفه بداخل الريفيت حسب خواص عامة في عائلته وخواص لحظية تعتمد على مكانه والمستوى المرسوم فيه ومرحلة بنائه5.

على غرار وجود برامج كثيرة تقوم بعمل محاكاة ثلاثية الأبعاد مثل

(…,SketchUp,3Ds max)

، إلا أن هذه البرامج تتعامل مع مجسمات مجردة مثل المكعبات والكرات، فالمستخدم هو من يشكلها لتعطي الشكل النهائي الذي يريده، لكن في برامج الـ بيم تشعر من اللحظة الأولى بأنك تقوم بالبناء فعليا لكن على شاشة الكمبيوتر.

إذن ما الذي يدفعنا لاستخدام برامج نمذجة معلومات البناء بيم  كبديل لبرامج التصميم التقليدية (كاد)؟

  • تيسير عملية التصميم والرسم. حيث يكفي تعديل لوحة واحدة فقط وهذا التغيير يتم في باقي اللوحات تلقائيا إضافة إلى ذلك، اخراج رسومات بدقة عالية المعروفة ب.

LoD BIM

  • التسعير، إدارة الوقت وترشيد نفقات المشروع. بدقة وسرعة في حساب الكميات والتكلفة.

  • التثبت من سلامة المبنى، باكتشاف الأخطاء بسهولة باستحداث خاصية

Clash detection

وهي إيجاد التعارض في النموذج. مشكلة عدم الانتهاء في الوقت المحدد نتيجة اكتشاف المشاكل داخل الموقع فكان يتم مد فترة المشروع أكثر من مرة، عند التطبيق الصحيح لنمذجة معلومات البناء يتم اكتشاف المشكلات وحلها مبكرًا أثناء العمل على التصميم.

  • دراسة المبنى بيئيا ما ينعكس على الحياة الاجتماعية والصحية. المباني المبتكرة كانت تعاني من مشكلة عدم وجود مرجع أو مباني سابقة يمكن القياس عليها، بالتالي يمكن حدوث مشاكل غير متوقعة نتيجة المناخ أو العوامل الطبيعية غير المحسوب حسابها. أما الآن فنمذجة معلومات البناء توفر كل أنواع المحاكاة لتدارك المشكلة قبل وقوعها.

  • وجود معلومات مطابقة للواقع. يمكن استخدام النموذج في إدارة مرافق المبني وعمل صيانة له بعد إنشاءه.

  • اختصار الوقت والجهد وإعادة الشغل في الموقع أثناء التنفيذ. تحسين تكلفة التعديل التي كانت تقدر بخمس تكلفة المشروع، الآن التعديل كله على الحاسوب. أيضا اختلاف ما تم بناؤه عن التصميم الأصلي نتيجة العمل في الموقع، مما يضطر المهندسين لعمل لوحات مختلفة

As Built))

بعد انتهاء العمل، حاليا ما تم تصميمه هو ما سيتم تنفيذه.

  • تنسيق وتعاون أكبر مع تخصصات الهندسة المختلفة

Worksharing .

حل مشكلة التواصل بين أطراف التصميم من مهندس معماري وإنشائي وإلكتروميكانيكي وأي مشارك في عملية التصميم والتنفيذ، فهذه البرامج سهلت الإلمام بتفاصيل المشروع من قِبل الجميع، ومشاركة التعديلات المختلفة فيما بينهم، لتلافي أي تعارض قد يسبب مشاكل أو أخطاء في التنفيذ.

  • زيادة ثقة العملاء والجمهور. إيضاح التصميم بشكل جيد للعميل، فتصل إليه الصورة النهائية للمبنى ويدرك تفاصيله جيدًا، بدون أن يضطر إلى دراسة رسومات معمارية أو إنشائية قد لا يفهمها، بالتالي يستطيع إبداء رأيه والتعديل على التصميم الذي لا تقارن تكلفة التعديل عليه بتكلفة التعديل على مبنى منفذ.

  • زيادة إنتاجية الموظف وتطوير الكادر الوظيفي. تحسين هيكل المؤسسة مع تخفيض عدد العمالة وتقليل الموظفين.

مع جميع الميزات المذكورة آنفا، إلا أن هناك حواجز تمنع هذا الانتقال التكنولوجي للـبيم :

  • تحقيق الشفافية. عدم إخفاء التفاصيل غير المقبولة وقضاءها على البيروقراطية، قد يتطلب بعض الوقت ليتم قبولها والتعود عليها.

  • مخاوف سير العمل التي تتملك المبتدئ. يعود الامر الى عدم الاستعداد الذهني لقبول فكرة التحول إلى تكنولوجيا حديثة.

  • حجم الشركة وتخصصها والعزوف عن الاستثمار. يتطلب ذلك كل من الوقت والمال اللازمين للانتقال إلى منصة جديدة.

  • غياب إرادة سياسية. مع تشريع منظومة قوانين لتشجيع هذه التكنولوجيا واستحداث آليات لمتابعتها.

لذلك وجب أن يكون انتقالا سلسا ومتدرجا على مستويات عديدة

NIVEAU BIM2 ,NIVEAU BIM1) (NIVEAU BIM 3,

حسب الإمكانيات المتاحة دون التخلي النهائي عن

(CAD)

.كل ذلك يلخص حقيقة أن الأتوكاد هي منتجات رائعة، وقرار الانتقال إلى برامج تكنولوجيا الـبيم أو إلى غيره يخص المستخدم وحده بما يلائم احتياجاته.

باستخدام تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء بيم قد يطول وقت التصميم عما كان في السابق، مما يسبب شكا في فعاليته ولكنه يختصر كثيرا من الوقت والتكلفة عند التنفيذ، حيث يكون عند المهندسين تخيل كامل لكل جزء من المنشأ، وتوقع كامل لكل العقبات التي قد تقابلهم بالتالي تجهيز الحلول لها مسبقا.

إذن هل فكرت بقيام بهذه النقلة من كاد إلى بيم؟ قمت بها فعلا؟ أم استبعدت الفكرة؟

—-

المصادر:

– (1) & (2) & (3) & (4) تكنولوجيا المعلومات في إدارة المشاريع الإنشائية فائق محمد سرحان، عيدان الزويني.

الصور:

10 Projects in Which BIM was Essential

www.archdaily.com/920839/10-projects-in-which-bim-was-essential