العمارة الدّمشقية………إرث جمالي مستدام
تعتبر العمارة الدمشقية نموذجا من الإبداع و السخاء في التصاميم و الزخرفة و يظهر ذلك جليّا داخل البيوت على عكس خارجها المطل على الحارات ذات الأزقة الضيقّة و المتعرجة و المنازل المتلاصقة و المتعانقة التّي تعكس حضارة ساكنيها حيث عرف أهل دمشق ” بمملكة الفكر الهندسي”.
و يقول أهل الحارات أنّ ذلك لسببين الأول أمني حيث يسهل الدفاع عن الأزّقة اذا هوجمت و الثاني إجتماعي إذ يمكّن النساء من الخروج من بيت لآخر دون أن يراهن إحد لأنّ الأزقة المتعرجة تحجب الرؤية كما تحتوي الحارات القديمة على كلّ الخدمات التّي يحتاجها المرء و التّي تستجيب لجميع متطلباته لتحقق بذلك وحدة سكنية محليّة
و عند رؤيتنا للهندسة الخارجية نجد أنها تحتوي على العناصر المعمارية الإسلامية كالمشرابية و البروزات على مستوى الطابق العلوي للمنازل بالاضافة الى بعض النوافذ الصغيرة الحجم و قد تكون منعدمة تماما في بعض الأحيان.
تبدأ عناصر العمارة الدمشقية الفريدة من البيت الدمشقي المستوحى من الحضارة العربية الإسلامية .
يعدّ البيت الدّمشقي مثالا لروعة العمارة الإسلامية، مغلق من الخارج و مفتوح من الدّاخل محققا الخصوصية التي عرفت بها جلّ المنازل العربية.
لمحة تاريخية:
يعود تاريخ البيت الدّمشقي إلى القرنين 17 و 18 و إستمّر إلى أن دخلت دمشق العصر الحديث في القرن 19 م متأثرة بالعمران الأوروبي.
{و يقال أن أول بيت عربي شيّد في دمشق كان للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان حيث شيّده أيام ولايته على الشّام بالقرب من الجامع الأموي و عرف بإسم قصر الخضراء نسبة إلى القبة التّي كانت تعلوه، و كان دارا للولاية و سكنه معاوية 40 عاما. كما يقول إبن كثير}.
و تختلف البيوت الدمشقية عن بعضها من حيث المساحة و المرافق المتوفرة و الزخارف إلّا أن عناصرها الأساسية تبقى ثابتة.
تنقسم هذه البيوت عادة إلى ثلاثة أقسام السّلملك و هو جناح الإستقبال الخارجي مخصصّ للضيوف و يكون غالبا عند مدخل البيت.
القسم الثاني و هو الحرملك و هو جناح المعيشة خاص بالأسرة و آخر قسم هو الخدملك و يكون عادة في البيوت الكبيرة و القصور.
لا يخلو ركن أو مرفق أو جدار بالمنزل من الزّخارف و النّقوش و هذا ما تؤّكده المهندسة “هلا قصقص” حيث تقول أنّ البيت الدّمشقي إستمّد تصميمه من نموذجي أساسيين: الأوّل فكري مستنياك من المفاهيم المنعكسة من الّثقافة الإسلامية و الثّاني تقني إستمّد تصميم الفراغات الدّاخلية لحديقة الفناء من فكرة الحديقة الرباعيّة الفارسيّة و التّي تسمّى بنظام “chahar bagh”
العناصر الرّئيسية للبيت الدّمشقي:
أوّل ما يمر به الزّائر إلى المنزل الدّمشقي هو “باب الزّقاق” و هو باب كبير من الخشب يضمّ بابا صغيرا يسمّى “الخوخة” يعلوه قوس يسمح بمرور الأشخاص فقط.
يؤّدي هذا الأخير إلى ممّر ضيّق يسمّى “الدّهليز”[ و هو ما يعرف بالسّقيفة في العمارة العثمانيّة] و الغرض منه الحفاظ على خصوصيّة البيت.
يأخذنا الدّهيلز إلى باحة كبيرة مفتوحة تتوسطّها نافورة من الرّخام و هي “أرض الدّيار” و التّي تعتبر من أهم العناصر المكونة للبيت.
تنفتح هذه الأخيرة على مكان مهمين في البيت الدّمشقي و هو الإيوان”اللّيوان” يكون عادة في الواجهة الجنوبية للمنزل، يرتفع ب 50 سم عن الأرضيّة.
يتكوّن اللّيوان من ثلاث جدران مزخرفة يعلوها قوس كبير مسنود على ركيزتان من الحجر، و هو مصمّم بطريقة تسمح له للإستفادة .من أشعة الشمس طوال النّهار
و من بين أهم فضاءات الطّابق السّفلي للمنزل الدّمشقي “الدّيوانية و تسمّى أيضا “البراني” و هي غرفة قريبة من المدخل تستعمل لإستقبال الضيوف.
يتكون المنزل عادة من طابقين حيث يحتوي الطابق العلوي على غرف النّوم و غرف المعيشة التّي تطّل جميعها على الفناء الدّاخلي
الخصائص الهندسية للبيت الدّمشقي
أهّم ما يمّيز البيت الدّمشقي هي الزّخرفة المتنوعة و التّي نجدها غالبا في كلّ أرجاء المنزل، تكون مصنوعة عادة من مواد كالخشب و الحجر و الرّخام و تعتمد على الأشكال الهندسية المتناسقة.
ثاني الخصائص هي التّنظيم المعماري و الإنشائي للمنزل الدّمشقي حيث صمّم هذا الأخير بطريقة متقنة و مهتمّة بأدق التّفاصيل، كما نجد تنّوعا في مواد البناء من خشب و طين و الحجز ذات الطبيعة العازلة.
الخصائص المناخيّة للبيت الدّمشقي
تلعب باحة المنزل الدّمشقي دورا مهمّا في توفير الرّطوبة لكافة البيت بالإضافة إلى أنّها تحتوي في غالب الأوقات على نافورة مياه تتوّسطها، تزيد من جماليّة المكان ،دون أن ننسى الطبيعة الوظيفيّة لها حيث تعمل كمكيّف طبيعي ، تلطّف الجو و تخّفض درجة الحرارة.
إضافة إلى إحتواء أرض الدّيار على مجموعة من النّباتات و الأشجار التّي تنعش المكان و تجعل السّاكن في غنى عن الخروج من البيت.
كلّ هذا من جهة، و من جهة أخرى يعتبر التّصميم الإنشائي من أهّم الخصائص المناخيّة أيضا ، فنجد الجدران تساعد في الحفاظ على درجة الحرارة نظرا للمواد المصنوعة بها و سمكها المعتبر ، إضافة ،إلى إرتفاع الأسقف الذّي يعادل طابقين في فضاءات الإستقبال تساعد في التهوية و الرّطوبة ، فيكون بذلك قد حقّق البيت الدّمشقي الإستدامة اللّازمة.
يعتبر البيت الدّمشقي القديم عالما من الّتفاصيل الّشاهدة على تنوّع الحضارات و الذّي يذهل كلّ من زاره.
و قد شهدت أبرز المنازل و أشهرها في دمشق عمليّات ترميم من قبل السلطات المعنيّة للحفاظ عليها كموروث معماري. كما حوّلت بعضها إلى متاحف و فنادق و مطاعم جعلتها مستقطبا للسّياح من مختلف أنحاء العالم.
:المصادر
shorturl.at/gQT37
shorturl.at/bgGQV